تايوان والصين.. ملخص تاريخ الصراع
ثورة شينهاي(1911)
إن قضية تايوان قضية تاريخية بالأساس، لذلك من الضروري أن نعود إلى الوراء على الأقل 90 عاما لكي نحظى بفهم أشمل لهذه القضية الشائكة. تعود جذور القصة إلى ثورة وثلاث شخصيات. في أعقاب ثورة شينهاي أو ثورة 1911 التي أطاحت بأخر أسرة إمبراطورية في الصين ( أسرة تيشنغ) ، أسس ( صون يات صن) أو أبو الصين كما يلقبه الصينيون، أسس جمهورية الصين سنة 1913. إلا أن هذه الثورة لم تأسس لدولة صينية مستقرة على النحو المرجو منها، بل وضعت البنات الأولى للحرب الأهلية التي ستنشب بعد ذلك. استمرت الأوضاع في الاضطراب وظل أمراء الحرب هم من يسيطرون على البلاد فعليا.
برغم الشخصية الكاريزمية التي تمتع بها الزعيم صون، إلا أنه لم يكن بنفس الحنكة في الجانب العسكري، مما فتح الباب أمام الجنرال الأشهر في التاريخ الصيني الحديث، شيانغ كاي شيك، الذي تولى زاد نفوذه بعد تحقيق انتصارات على أمراء الحرب تحت لواء الدولة المؤسسة حديثا . وبالفعل، كما كان متوقعا، تولة شيانغ مقاليد حكم البلاد، ورئاسة حزب الكومينتانغ الذي أسسه صون، بعدما توفي صون سنة 1925.
في نفس الأثناء أندلعت الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 بقيادة فلاديمير لينين وتروتسكي، الأمر الذي حفز جماعة من الشباب الصيني المتحمس لاتباع خطى النموذج الروسي الشيوعي، فأخذوا في قراءة الأدبيات الشيوعية والاقتضاء بها، ومن ثم تأسس الحزب الشيوعي الصيني، وظهر ماو تسي تونغ لأول مرة على الساحة السياسية في الصين.
صراع الشيوعيين والقوميين
في بداية الأمر، كانت العلاقات جيدة أو شيه جيدة بين الحزبين الشيوعي والقومي، لأن الحزب الشيوعي الوليد بطبيعة الأمر لم يكن يملك المال والعتاد والسطوة التي حظي بها الحزب القومي. إلا أن الحزب الشيوعي ما لبث أن اشتدت شوكته وتحول صراعه الإيديولوجي مع الحزب القومي إلا صراعا مسلحا، وبدأت بالفعل الحرب الأهلية الغير متكافئة بين الشيوعيين والقوميين. ظلت المناوشات بينهم في نطاق محدود حتى عام 1934 الذي وقعت فيه أضخم مطاردة في التاريخ، والتي تعرف تاريخيا بالمسيرة الطويلة. والتي طارد فيها جيش القوميين الجيش الأحمر الشيوعي من جنوب شرق الصين إلى غربها ثم إلى الشمال الغربي، تلك المطاردة التي راح ضحيتها 80 ألف فرد من الشيوعيين من أصل 100 ألف فقط، كانوا قوام الجيش الأحمر.
في عام 1937، وفي خضم الحروب الدموية للنازي في أوروبا، استغلت اليابان النزاعات الداخلية في الصين فاحتلت الأجزاء الشمالية وامتدت بسرعة إلى العمق الصيني ومارست أشرس أنواع المذابح التي لا تقل في وحشيتها عن مذابح النازي في أوروبا، مما دفع الجنرال شيانغ كاي شيك وماو تسي تونغ للاتحاد مؤقتا من أجل صد الغزو الياباني الجائر. وبالفعل تمكن، تحالف الأعداء المؤقت إلى جانب عوامل أخرى من إخراج اليابان من الأراضي الصينية وطويت صفحة الغزو الياباني الثاني. لم يلبث أخر جندي ياباني من مغادرة أراضي الصين حتى عادت الحرب الأهلية مرة أخرى بين القوميين والشيوعيين.
انتصار ماو وهروب كاي شيك
في 10 أكتوبر سنة 1949 اعتلى ماو منصة المدينة المحرمة في ميدان تيان أن مين الشهير ليعلن بمهابة تأسيس جمهورية الصين الشعبية، بعدما استطاع بدعم الفلاحين والفقراء والعمال من سحق قوات تشيانغ كاي شيك التي كانت تملك العتاد والمال والدعم الغربي. هرب كاي شيك ورفاقه إلى مقاطعة فوجيان بجنوب الصين، وواصل الشيوعيون مطاردتهم إلى أن تركوا البر الرئيسي برمته متوجهين إلى جزيرة صغيرة يسكنها جماعة من المزارعين والصيادين تسمي “جزيرة تايوان”، استبدوا من على الجزيرة وحموها بالأحكام العرفية لمدة الأربعين سنة التالية. أنشغل ماو ورفاقه في ترتيب البيت من الداخل وحل المشاكل الاقتصادية، ومطاردة الفلول الباقين من حزب الكومينتانغ وحل الجدالات الفكرية الدائرة بين اليسار واليمين بل وبين اليساريين أنفسهم. ولم تتوقف أمريكا عن دعم حكومة كاي شيك، بل واعترفت أنها الحكومة الوحيدة التي تمثل جمهورية الصين، ورفضت أمريكا الاعتراف بماو تسي تونغ وحكومته.
محاولة ماو استرجاع جزيرة تايوان
ظلت الأمور هادئة فيما يتعلق بتايوان، إلى أن عادت مرة أخرى إلى السطح بعد مؤتمر باندونغ سنة 1955، حاول ماو تكرار التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن وقف الدعم المقدم لتايوان لما يمثله من تهديدات على البر الرئيسي، ولكن أمريكا تجاهلت جميع الجهود المبذولة واستمرت في دعمها لكاي شيك. وأعلنت الولايات المتحدة صراحة ثلاث مبادئ غير قابلين للتفاوض. أولا: لن تعترف الولايات المتحدة بحكومة ماو تسي توغ، ثانيا: حكومة تشيانغ كاي شيك هي الممثل الوحيد لجمهورية الصين، ثالثا: ستستمر الصين في فرض الحصار الاقتصادي على الصين ( البر الرئيسي). وعلى أثر هذا الإعلان، قرر ماو تسي تونغ في أثناء اجتماع عقد في بي داي خه استعادة جزيرة تايوان. وبالفعل في تمام الساعة الخامسة ونصف مساء يوم 23 أغسطس، سنة 1958 صدرت أوامر لقوات خط الجبهة في فوجيان بتنفيذ قصف عنيف وواسع النطاق على جيش الكومينتانغ في جزيرة جينمن ( البوابة الذهبية)، استمر القصف أكثر من ساعتين وأطلق ما يقرب من 30 ألف قذيفة. وفي اليوم التالي، استمر الضرب المشترك للمدفعية والبحرية. وحوصرت جينمين وسيطر عليها الشيوعيون. تدخلت أمريكا سريعا وطوقت الجزيرة وبدأت المحادثات وتراجع ماو أخيرا بعد أن حقق انتصارا جزئيا على القوميين.
تحسن العلاقات بعد الإصلاح والانفتاح
في الستينيات دخلت الصين في صراعات ومجاعات وثورة ثقافية وأمور جعلت استعادة تايوان قضية أقرب للرفاهية عندما تقارنها بما كان يجري داخليا. استمر الوضع كما هو عليه حتى توفي ماو، وأعلن مهندس الإصلاح الصيني دينغ شياو بينغ، ضرورة تنحية الصراعات الأيدلوجية جانبا والتركيز على تطوير الاقتصاد، واستخلاص الحقائق من الوقائع. منذ ذلك الحين شهدت علاقات الصين تحسنا ملحوظا بالولايات المتحدة التي اعترفت أخيرا بحكومة الصين الشعبية، وقطعت علاقاتها الديبلوماسية مع جزيرة تايوان، ثم استعادت الصين مقعدها في الأمم المتحدة، وتحسنت العلاقات مع جزيرة تايوان إلى حد كبير. وفي عام 1992 طرحت الصين مبادرة أسمتها ” الصين الواحدة ونظامان”، والتي تعني أن هناك صينا واحدة في العالم، ولكن لبعض مناطقها الحق في الحكم الذاتي، مثل تايوان، وهونجكونج ومكاو. وهذا ما تعترف به أغلب دول العالم الأن.
توتر العلاقات مؤخرا بعد سنة 2016
استمرت العلاقات في التحسن تارة والتوتر تارة أخرى طبقا لتوجهات الحزب الذي يحكم تايوان، ولكنها في المجمل كانت علاقات يمكن وصفها بالجيدة، وازداد حجم التبادل التجاري بصورة ملحوظة، وسمح للسياح من البر الرئيسي الذهاب إلى تايوان للسياحة، وجاء التيوانيون للبر الرئيس للعمل والاستثمار. إلى أن وصلت الرئيسة تساي ينج وين، زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي إلى الحكم، والتي صعدت من حدة التوتر بدعوتها لانفصال تايوان تماما عن الصين. مما أثار دهشة الجميع وأولهم حكومة البر الرئيسي التي كانت ما تزال تتحلى بالصبر الشديد في التعامل مع قضية تايوان. ارتفعت حدة الاستفزاز بعدما مدت الولايات المتحدة الأمريكية تايوان بشحنات متتالية من الأسلحة المتطورة غير أبهة لكل التهديدات الديبلوماسية التي أطلقتها بكين. وأخيرا زيارة نانسي بيلوسي التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
هل ستنشب حرب بين الصين وتايوان؟
هذا سؤال المليون دولار كما يقولون. رأي الشخصي أن الحل العسكري مطروحا لكنه ليس الخيار الأول لدى الصين. أولا لأن الولايات المتحدة لديها ست قواعد عسكرية في المنطقة، وسيكون رد الولايات المتحدة فوريا وعنيفا. أيضا، الصين تعتبر تايوان جزء من الأراضي الصينية والمواطنين التايوانيين أبنائها، فليس من المعقول أن تقذف أبنائها، بالإضافة لعدم وجود مبرر دولي لدى الصين للقيام بمثل هذا الفعل المتهور، فتقريبا جميع دول العالم بما فيها الولايات المتحدة والاتحاج الأوروبي يدعمون تفاهم “الصين الواحدة ونظامان”. في تقديري أن الصين ستجبر تايوان على التراجع عن أفكار الانفصال بطرق عدة، منها على سبيل المثال الورقة الاقتصادية إذ إن تايوان تعتمد بصورة كبيرة على الوطن الأم اقتصاديا، ولدى تايوان مصانع ضخمة في البر الرئيسي، على رأسها شركة فوكسكون، المصنع الرئيسي لمنتجات أبل الأمريكية. وأيضا، قد تستخدم الصين الورقة العسكرية، وستجعل من العروض والتدريبات العسكرية أمرا دوريا، مما سيضع التايوانيين دائما تحت ضغط وسيعرقل حركة الملاحة والطيران، ومن ثم يؤثر على الإمدادات التي تعتمد عليها الجزيرة.